إظهار الرسائل ذات التسميات الحروب. إظهار كافة الرسائل
إظهار الرسائل ذات التسميات الحروب. إظهار كافة الرسائل
الجمعة، 25 أكتوبر 2013
ثورة الزعاطشة
قاد هذه الثورة الشيخ المجاهد بوزيان الذي أثر الشهادة والموت في سبيل بلاده علي أن يعيش تحت رحمة المستعمر الفرنسي ، الذي أعلن جهاده بواحة الزعاطشة عام 1849 م في الوقت الذي كانت فرنسا تعتقد أن بنهاية الأمير عبد القادر و مقاومة أحمد باي قد وضعت نهاية للمقاومة الجزائرية .
ابن ناصر بن شهرة
ابن ناصر بن شهرة
1- المولد والنشأة
ينتمي ابن ناصر بن شهرة بن فرحات إلى قبيلة المعا مرة والحجاج الذين ينتمون بدورهم إلى الأرباع . ولد عام 1804 .
الناصر بن شهرة بن فرحات شيخ قبائل الأرباع بنواحي مدينة الأغواط، ذلك الرجل الذي دام كفاحه ضد الاحتلال الفرنسي أكثر من أربع وعشرين سنة (1267-1292هـ/1851-1875م) ولد الناصر بن شهرة بعشيرة الأرباع قرب الأغواط عام 1804 وكان أبوه شهرة وجده فرحات قائدين وشيخين بالتوالي على الأرباع فنشأ بن شهرة في جو ملؤه الحياة العربية القحة بما يروي فيها من أخبار الفروسية والكرم وأحداث الكر والفر في الحرب والنزال متمسكا بسيرة أسلافه شيوخ الأرباع وزعماء الصحراء منتمياً إلى الطريقة القادرية.
2- جهاده
استهل جهاده منذ عام 1851، فاعتقل بمعسكر قرب " بوغار " غادرها متخفيا في 05 سبتمبر 1851، التحق بالشريف محمد بن عبد الله بالرويسات) ورقلة ) وقام بالتنسيق معه .استمات في الدفاع عن مدينة الأغواط وقصورها وكذا وورقلة. لجأ إلى " نقطة " وتوزر بالجريد التونسي و في تونس ربط علاقات عديدة باللاجئين الجزائريين وأخذ من هناك يشن الغارات على الأعوان الفرنسيين. وعندما اندلعت مقاومة أولاد سيدي الشيخ عام 1864 عاد ابن ناصر بن شهرة إلى الجزائر متخفيا ودخل إلى ورقلة واتصل بسي الأعلى يوم 6 أوت في طاقين واشترك معه في عدةمعارك . رجع إلى ورقلة بصحبة سي الأعلىعام 1865 وبعدها إلى المنيعة وعين صالح لتجنيد الناس وامتدت حركته إلى عين ماضي .وخلال كفاحه بالجزائر لم يقطع صلاته بتونس حيث كان يتردد عليها لجمع الأنصار وتدبير الخطط وتوفير الذخائر والمؤن .كان من المشاركين في مقاومة المقراني والحداد عام 1871 و كانت جبهة عمله الصحراء الشرقية ، وبعد إلقاء القبض على بومزراق زعيم المقرانيين يوم 20 جانفي 1872 قرب الرويسات أخذ ابن شهرة يواصل نشاطه من الجريد ونفزاوة إلى أن أرغمه باي تونس على الرحيل، فتوجه إلى بيروت إلى أن توفي عام 1884
المقاومة في الأغواط :
1- ظروف مقاومة مدينة الأغواط :
عملت الإدارة الاستعمارية على بث روح النزاع و الفرقة بين القادة و الزعماء من القبائل و شيوخ الزوايا مما أدى إلى زعزعة المنطقة و نشوب اضطرا بات غاية الخطورة في الوقت الذي اشتعل فيه فتيل مقاومة الزعاطشة ، وهي كلها معطيات أقنعت فرنسا بضرورة شن حملة على الاغواط انطلاق من المدية بعد أن كلفت رسميا الجنرال لادميرول L'ADMIRAULT بالمهمة في ماي 1851.وفي 3 جوان 1851 دخل الطابور الفرنسي الجلفة ، و استدعى شيوخ القبائل منهم خليفة الأغواط و الآغا سي الشريف بالأحرش و كان القائد ينوي تعيين ابن ناصر بن شهرة خليفة على الأغواط عوض أحمد بن سالم غير أن ابن ناصر ظل يرى في فرنسيين غزاة طامعين و رفض خدمتهم ليلتحق بمحمد بن عبد الله أحد أعلام المقاومة في الجنوب الجزائري ضد الاحتلال.
-2 سقوط المدينة :
إثر عودته إلى الاغواط، كان ابن ناصر بن شهرة قد دخل قصر البلدة، و من جانبه أمر الحاكم العام راندون RANDON الجنرال لادميرول في فبراير 1852 بالسير إلى الاغواط في طابور يزيد على 1500 جندي ، و كان وصوله أسوار مدينة في 4 مارس ثم تقدم إلى غاية قصر الحيران دون مواجهة حيث ثبتّ فيها كتيبه من الجيش و فرقة من الصبايحية ليعود بعدها إلى الأغواط.و رغم ذلك بقيت الإدارة الاستعمارية متخوفة من رد الفعل الجزائري حتى أنها ارتأت استقدام و حدات إضافية من الجيش المرابط بتيارت بقيادة الجنرال ديلينيه (Déligny).
و من جانبه سار محمد بن عبد الله إلى نواحي مدينة الاغواط بغرض تأديب القبائل الرافضة الالتحاق به لكنه سرعان ما تراجع إلى تاجرونة قريبا من منع وادي زرقون بعد أن بلغه خبر تحرك الجنرال لادميرول كما عمل على حشد المزيد من رجال القبائل و الالتحاق بجيش ابن ناصر بن شهرة من القبائل الأرباع،أولاد سيدي عطاء الله ، و سعيد عتبة، المخادمة و رقلة ، شعانبة متليلي ، أولاد عامر بتماسين، أولاد جلاب و أهل ميزاب و قد أثار هذا الحشد تخوفات الفرنسيين و لهذا أوكلت للضابط " كولينو " COLLINEAU مهمة تجميع فرق الجيش استعدادا للمواجهة كما لمينقطع الشريف محمد بن عبد الله عن التردد على الاغواط بهدف تحسيس و توعية سكانها فلما علم الجنرال " يوسف بالأمرو ظف كل الأساليب لاستمالة أهل الأغواط مقابل حياة الشريف لكنه فشل في ذلك وعليه قرر الحاكم العام التدخل عسكريا لضرب الاغواط و إخضاعها و قد جند لأجل ذلك خمسة طوابير يقرر أوامرها الجنرال بيليسيي ( pellissier).
كانت كل هذه الاستعدادات توحي باقتراب موعد شن الحرب و بالفعل انطلقت المعارك في صبيحة يوم 3 ديسمبر ، على جبهات مختلفة ترمي لإيقاع الاغواط، و استمر الهجوم في اليوم الموالي حيث استطاعت القوات الفرنسية التمركز في المواقع الحصينة ، و اتخاذ المسجد مقرا لغرفة العمليات ، وقد أسفرت المواجهة عن مقتل الجنرال بوسكاران فخلفه العقيد " كلار " بالتنسيق مع الجنرال يوسف لتنفيذ عملية اقتحام المدينة حيث اشتد الاقتتال في مختلف الأزقة و حتى المنازل كلف الجيش الفرنسي خسائر معتبرة و أظهر المجاهدون الحنكة و القوة في مقاومتهم ، بينما ركزت المدفعيةعلى ضرب أسوار الاغواط للسماح بتوغل المزيد من العسكر الفرنسي الذين احتلوا أعالي المدينة ، و استمرت المواجهة طويلا لتنتهي بسقوط الاغواط ووقوع مجازر رهيبة من جراء الأعمال الوحشية التي ارتكبت في حق السكان و على جماجم هؤلاء احتفل بيليسييه بالنصر حيث فرشت الزرابي الفاخرة وسط المدينة و تناول عليها غداءهو هنأ ضباطه و قام بتعيين العقيد "كلار" قائدا أعلى على الأغواط ، بينما استطاع الناجون من أهل المدينة الانسحاب و على رأسهم الشريف محمد بن عبد الله و ابن ناصر بن شهرة و يحي بن معمر و التلي بن لكحل بعد أدركوا أن المواجهة كانت تفتقر بكثير إلى عنصر التكافؤ العسكري خاصة بالنظر إلى ثقل حصيلة الضحايا التي تجاوزت 2500 شهيدا ، ناهيك عن أعداد الجرحى الذين لم يسلموا من ملاحقة الجنود الفرنسيين لاستكمال مجازرهم و قد استمر الأمر أزيد من أسبوع و الهدف من ذلك تصفية جيوب المقاومة في مختلف المناطق و من الجانب الفرنسي سقط حوالي 60 فتيلا و على رأسهم الجنرال " بوسكاران " الذي دفن هناك وقائد الفيلق موران بالإضافة إلى أعداد هامة من الجرحى.
-3 نتائج المقاومة
كان سقوط الأغواط بمثابة انتصار لفرنسا و قد اعتبرته خطوة هامة للتوسع في عمق الصحراء الجزائرية و إخضاعها، فضلا عن أنه يرمي إلى:
- إخضاع بني ميزاب و حملهم على المرور بالأغواط إجباريا.
- مراقبة التموين بالمئونة من مخازن الأغواط و فرض غرامات على أهل الصحراء .
- عزل قبائل أولاد نايل و الأرباع وراء مرتفعات جبل عمور.
- تحويل الاغواط إلى مركز للإدارة و التحكم في شؤون التجارة إلى عمق الصحراء.
- اعتبار الأغواط نقطة انطلاق للتوسع الفرنسي في الصحراء الجزائرية. غير أن المقاومة بقيادة بن ناصر بن شهرة ومحمد بن عبد الله استمرت على نفس الوتيرة مما عاق عملية التوسع الفرنسي في الصحراء وخاصة بعد أن تكللت هذه المقاومة بإندلاع مقاومة أولاد سيدي الشيخ ، وبروز محمد بن التومي المدعو الشريف بوشوشة
ثورة بن ناصر بن شهرة:
بدأ يعد للثورة سنة 1846 اعتقل سنة 1851م ووضع تحت الإقامة الجبرية رفقة عدد كبير من أتباعه من رجال الأرباع في محتشد قريبا من (بوغار) سرعان ما ان فر منه.
و في آخر شهر ذي القعدة (1267هـ/5 سبتمبر 1851م)اتصل بن ناصر بن شهرة بالمجاهد البطل شريف بلدة ورقلة السيد (محمد بن عبد الله) فاتفق معه على الجهاد ثم رجع إلى الشمال الشرقي واستولى على قرية قصر الحيران (11 شوال 1268هـ/31 جويلية 1852م). و يومئذ وفد عليه أعيان رجال الصحراء الأشاوس مثل (السيد يحيى بن عمر) أحد شيوخ الأغواط والسيد (الشريف ابن الأحرش)الذي كان خليفة الأمير عبد القادر ثم صار- باش آغا على عشائر أولاد نايل، وكان هذا اللقاء في مكان اللقحات في أرض الشبكة قرب (بريان) وذهب ابن شهرة مع شيخ ورقلة محمد بن عبد الله إلى المدينة (القرارة) للتسليح والتموين. و استقر بالجنوب التونسي بانتظار تطور الأحداث ليستأنف الجهاد وأخذ من هناك يشن الغارات على أذناب فرنسا داخل الحدود الجزائرية وشارك (محمد بن عبد الله) في معاركه ضد القوات الفرنسية ب (تقوصة ،بريزينة ،الرويسات نوفمبر1853م). و في صيف سنة 1281هـ/1864م انتقل متخفياً إلى ورقلة، واتصل بالسيد(العلا) من أولاد سيدي الشيخ فاشتركا في قيادة الثورة. كانا في يوم (2ربيع الأول- 6أوت1864م) على رأس جيش كبير من الفرسان حيث كان عددهم لا يزيد عن 15000 فارس وتقدمو إلى أرض (طاقين) وهنالك وقعت معركة كبيرة ضد جيوش الاحتلال وفي يوم (19 جمادي الأول -21أكتوبر1864م). انتقل ابن شهرة رفقة مرافقيه من أولاد سيدي الشيخ والأرباع، إلى ناحية وادي (النساء) جنوب (بريزينة) للاتصال بسيدي الحاج الدين بصحراء الساورة. وأصبح هو والأنصار يمثلون قوة كبيرة في المنطقة فأضعفتهم فرنسا بقطع صلتهم عن القوافل حتى تعبوا. وفي سنة (1282هـ/1864م)رجع ابن ناصر بن شهرة وسي العلا إلى مدينة ورقلة. و في ربيع سنة (1283هـ/1866م) توجه(بن ناصر بن شهرة وسي الزبير وابن أخيه سي أحمد بن حمزة) -من زعماء ثورة سيدي الشيخ- إلى مدينة المنيعة. و منها انتقل ابن شهرة إلى عين صالح لتجنيد المجاهدين من - توات والشعانبة ومن الطوارق أيضا- وفي شهر شوال (1285هـ/جانفي1869م) اشتعلت نار الحرب بعين ماضي وكانت هناك معركة هائلة بين قوات الاستعمار والجيش الجزائري البطل الذي لم يتجاوز عدده في هذه المعركة 3000 فارس وألفا من المشاة بسلاحه العتيق البالي.
و في شهر ذي الحجة –مارس- 1869 م التحق البطل ابن شهرة بالبطل بوشوشة الذي كان قائد جيش (الشعابنة ومتليلي وشعانبة المواضي بالمنيعة وأهل توات)، وكان معه ثلة من المجاهدين. فالتقيا في قرى (المخرق وقنيفيد على الضفة اليسرى لوادي مزي) فانضموا كلهم إلى بوشوشة وفيها كان الاستلاء على مدينة المنيعة وطرد قائدها (جعفر المعين) من طرف السلطة الفرنسية.
و في بلدة نفطة جنوب غربي تونس اجتمع ابن شهرة باخوانه في الإجهاد ومن ضمنهم المجاهد (محي الدين بن الأمير عبد القادر) وأولاد البطل الشعانبي السوفي (بوطيبة بن عمران) و(محمد بوعلاق التونسي) وجميعهم كان في ضيافة وتأييد الشيخ مصطفى بن محمد بن عزوز الجزائري رئيس الزاوية الرحمانية هناك.
انتشرت رسائل ابن شهرة ومحي الدين بن الأمير عبد القادر، التي أرسلاها إلى القبائل والعشائر الجزائرية لحثها على الجهاد، والتحقت يومئذ الأرباع بقائدها ابن ناصر بن شهرة ملبية الدعوه قال رين : " أرسل إلينا الرؤساء الموالون أعدادا كبيرة من هذه الرسائل، وقد تجمع لدى القائدالعسكري لناحية بسكرة نحو (44 رسالة) كلها محفوظة في وثائق بسكرة ". وكان على بعضها ختمالأمير محي الدين وعلى بعضها ختم ابن ناصر بن شهرة، فمنها ما كان مرسلاً إلى رئيس زاوية (تماسين)، ومنها ما أرسل إلى السيد (باي آغا) تقرت وورقلة وإلى رؤساء وأعيان الطرود بسوف وإلى الأغواط ومتليلي وميزاب وإلى الشريف (بوشوشة) وإلى المخادمة والشعانبة وغيرهم...
و في شهر صفر (1287هـ/مايو 1870م) إستقر بن شهرة صحبة رفيقه الأمير محي الدين بعين صالح ومعهما ثوار الصحراء الشرقية وهناك إلتقت جيوشهما بجيوش الشعانبة بقيادة بوشوشة، وثوار أولاد سيدي الشيخ بزعامة سي الزوبير، وكانت الثورة مشتعلة في الشمال بقيادة المجاهد الحاج محمد بن الحاج أحمد المقراني والشيخ ابن الحداد رئيس الزاوية الرحمانية في صدوق تحت قيادة بومزراق المقراني والسيد عزيز بن الشيخ الحداد. وانتشرت الثورة إلى أعماق الصحراء حيث استولى بن شهرة على تقرت وورقلة، واستولى الأمير محي الدين على نقرينوتبسة وفي أثناء ذلك كان استشهاد المرحوم المقراني (15صفر1288هـ/6 ماي 1871م) في مكان يعرف (بسفلات) قرب مدينة عين بسام، ثم وفي (23 ربيع الثاني- 13 جويلية 1871م) ألقي القبض على الشيخ الحداد ولما تغير الحال في الشمال قرر آل المقراني الاعتصام بالصحراء، فكان لابن شهرة الفضل في دخول المقراني إلى تونس.
و بعد وقوع بومزراق وبوشوشة في الأسر وتمكن الجيش الفرنسي الاستيلاء على تقرت وورقلة تفرق المجاهدون في أنحاء البلاد، فمنهم من لجأ إلى تونس، ومنهم من ذهب إلى طرابلس الغربوبقي بن شهرة وحده ينازل جيش الاحتلال فكان يشن عليه بعض الهجومات من الجريد ونفزاوة التونسيتين، ثم دخل إلى تونس لاجئاً.
و في (27ربيع الثاني 1292هـ/2جوان1875م) أرغمه باي تونس على الرحيل، فركب الباخرة من مرسى حلق الوادي إلى بيروت، وكان برفقة الرفيق في الجهاد (محمد الكلبوتي).[3]
و استقر ببيروت البطل ابن شهرة رفقة صديقه الحميم الأمير (محي الدين بن الأمير عبد القادر)إلى سنة (1300هـ/1883م) كما أنه اتصل بالأمير عبد القادر بنفسه بدمشق فتوسط له لدى الحكومة التونسية لبيع ما تركه بتونس عند رحيله منها، ثم كانت وفاته في سنة 1884 م فكان عمره حينها 80 سنة.
ثورة الأمير عبد القادر حيث تعترف فرنسا بسلطته


عبد القادر الجزائري
هو الشيخ عبد القادر بن محيي الدين بن مصطفى الجزائري الحسني، يتصل نسبه بالإمام الحسين بن علي (1222/1808ـ 1300/1883) ولد في قرية القيطنة التابعة لوهران، من عائلة مرابطيّة كريمة مشهورة بالفضل والكرم حفظ القرآن، وتعلم مبادئ العربيّة على يد أبيه، ثم قرأ على يد الشيخ أحمد بن طاهر القرآن والحديث وأصول الشريعة، واستكمل فنون العلوم في وهران، فدرس الفقه والحديث والفلسفة والجغرافيا والتاريخ، ونال شهادة حافظ . اشتهر في صباه بشدّة البأس، وقوّة البدن، والفروسيّة ؛ بايعه رؤساء القبائل العربيّة سنة 1248/1832 بعد أبيه على نصرة الإسلام، ولقّبوه بناصر الدين، فجمع كلمتها، وخاض المعارك دفاعا عن استقلال المغرب العربي، وانتصر في معركة وهران . عقد مع الفرنسيّين معاهدة 1250/1834 وتفرّغ للإصلاحات الداخليّة، ونظّم دولته على أسس إسلاميّة، ولم يعترف بسيادة فرنسا على بلاده، وكان حاكماً جريئاً، شجاعاً، يتقدّم الجيوش بنفسه، نظّم مملكته إلى ثماني خلافات، وأقام جهازاً إدارياً مسلسل الرئاسات، ونظّم القضاء، وأسّس مجلساً ثورياً، وأنشأ مصانع الأسلحة والبارود، وملابس الجند، وجمع الزكاة، وبنى مدينة (تقدمة) وكثيراً من المعامل، وافتتح المدارس، وضرب النقود (المحمديّة) ونظّم جيشاً قوامه عشرة آلاف جندي .
توفي بدمشق، ودفن بالصالحيّة، ونقل رفاته إلى الجزائر بعد الاستقلال.
له الدواوين والكتب التالية:
ألف في التصوف كتاب: (المواقف) و(المقراض الحاد لقطع لسان منتقص دين الإسلام بالباطل والإلحاد) و(ذكرى الغافل وتنبيه الجاهل) وكانت له قدم راسخة في الشعر، جمع شعره في ديوانه (نزهة الخاطر) .
و على عكس ما يظنه البعض فان الامير عبد القادر كتب اشعارا في الغزل العفيف في قمة الروعة و الجمال رغم باسه و شجاعته و علمه.
بعد أن سقط أسيرا و طائفة ممن معه من المجاهدين في قبضة الجيش الفرنسي ، و بعد أن خيره الفرنسيون بين جملة من البقاع ليختار منها منفى له و لأصحابه مقحمين في ثنايا عرضهم أشكالا من الإغراءات ليكون اختياره فرنسا ، أصر الأمير المجاهد أن يكون منفاه إلى الشام و تحديدا إلى سوريا ، فكان له ما أراد بعد شد و جذب ...
فما راعه و هو في منفاه إلا حنينا ملك عليه كل أمره لزوجته التي حيل بينه و بين مضيها معه ، فكتب هذه الأبيات يشكو إليها ما يعانيه من جمر الشوق و لوعة البعاد ..
قال رحمه الله :
أقول لمحبوب تخلف من بعـــــــــــدي --- عليلا بأوجاع الفراق و البعـــــــــــــد
أما أنت حقا لو رأيت صبابتــــــــــي --- لهان عليك الأمر من شدة الوجـــــــــد
و أرى المسكين عذبــــــه النـــــــوى --- و أنهاه حقا إلى منتهى الحــــــــــــد
و إني و حقِ الله دائـــــم لوعـــــــــــة --- و نار الجوى بين الجوانح في وقــْـــد
ومـن عجب صبري لكل كريهــــــــــة --- وحملـيَ أثـقـالاً تـجـلّ عن العـــــــــد
و لست أهاب البيض كلا و لا القنــــا --- بيوم تصير الهام للبيض كالغمـــــــــد
وأرجاؤه أضحـت ظـلاما وبرقــــــــه --- سيـوفـا وأصـوات الـمدافع كالرعد
ولا هالني زحف الصفوف وصوتهــــا --- بيوم يشيب الطفل فيه، مع المــــــرد
وقد هالني بل قد أفاض مدامعـــــي --- وأضنى فؤادي بـل تعدى عن الحـــد
فـراق الذي أهـواه كهـلا ويافعــــــا --- وقلبـي خـليٌّ من سعادٍ، ومن هــــند
ألا هل يجود الدهر بعد فراقنــــــــــا --- فيجمعنا و الدهر يجري إلى الضــــد
و أشكوك ما نلت من تعب و مــــــــا --- تحمله ضعفي و عالجه جهــــــــــدي
كي تعلمي أمّ البنينَ بأنـــــــــــــــــه --- فراقك نار و اقترابك من الخلـــــــــد
جهاده ضد الفرنسيين :
1- كانت الفترة الأولى من (1832 ) وحتى (1839 ) وفيها احتل مدينة ( تلمسان ) واعترف له الفرنسيون بحكم غربي الجزائر ماعدا الساحل ، ثم عقدت معه معاهدة ( تفنا ) في (1938) وتخلت له عن حكم ( وهران ) ...
2- المرحلة الثانية حيث حشدت له فرنسا (200) ألف جندي بقيادة ( بوجو ) الصليبي الحاقد على المسلمين ، فكانت ألأعمال الوحشية وسياسة الأرض المحروقة ، يقول ( سنت أرنو ) أحد معاوني ( بوجو ) : [ في ايار 1842 ، لقد كانت حملتنا تدميراً منظماً أكثر منها عملاً عسكرياً ، ونحن اليوم في وسط جبال ( مليانة ) لانطلق إلا قليلاً من الرصاص ، وإنما نقضي وقتنا في حرق جميع القرى والأكواخ ... ويقول أيضاً [ إن بلاد ( بن مناصر ) بديعة جداً ، لقد أحرقناها كلها ... كم من نساء وأطفال اعتصموا بجبال الأطلس المغطاة بالثلوج ، فماتوا هناك من الجوع والبرد ...
وفي حادثة ( ولد رياح ) عندما لجأ ألف مواطن جزائري إلى بعض الكهوف ، فانقض عليهم القائد الفرنسي ( بلسييه ) وأوقد النار على أفواه الكهوف ، فماتوا فيها اختناقاً ... وحيال ذلك تناقص سكان الجزائر من (4) مليون إلى ( 2 ) مليون خلال سبع سنوات فقط ...
وأمام ذلك كان لابد من إيقاف الحرب ، وخاصة بعد أن هادن سلطان المغرب ( عبد الرحمن بن هشام ) الفرنسيين ، بعد أن هددوه باستعمال القوة ، وتعهد أن يتخلى عن مناصرة الأمير عبد القادر ويخرجه من بلاده ، واضطر الأمير عبد القادر للاستسلام في (1847 ) ونفي إلى (تطوان ) ومنها إلى ( أنبواز ) ثم استقر في دمشق (1271ه) وتوفي فيها عام (1883م ) .
مقاومة الحاج أحمد باي
مقاومة الحاج أحمد باي
إلى جانب مقاومة الأمير عبد القادر في الغرب و وسط الجزائر ،كانت هناك مقاومة أخرى متزامنة معها في الشرق بقيادة الحاج أحمد باي قسنطينة الذي كان في مدينة الجزائر عندما دخل الفرنسيون إلى سيدي فرج،وشارك في الدفاع إلى أن وصلت القوات الفرنسية إلى منطقة الحراش، واقترح على الداي حسين خطة لمواجهة العدو وتتمثل في الإنسحاب إلى منطقة شرشال وترك القوات الغازية تنزل على الشواطئ وتبدأ زحفها نحو العاصمة المحصنة ثم بعد ذلك تقوم القوات الجزائرية بالهجوم عليها إلا أن الداي رفض هذه الخطة مما دفع بالباي أحمد إلى الإنسحاب ليستعد للمواجهة في الشرق. لقد أستطاع أحـمد باي أن يهزم جيوش المريشال كلوزال في حملته الأولى على قسنـطـينة و قد أضطر الجيش الفرنسي على الإنسحاب مخلفا ما بين 800 و 900 قتيل و غنائم معتبرة. ركز أحمد باي على تحصين أسوار مدينة قسنطينة الأمر الذي جعل القوات الفرنسية تقوم بعملية تطويقه بارسال حملتين إلى بجاية وعنابة، ولم تبدأ في مواجهة الحاج أحمد باي مباشرة إلا في شتاء 1836م حيث تحركت القوات الفرنسية نحو مدينة قسنطينة إنطلاقا من مركز الذَرعان قرب عنابة ولقد عززت هذه القوات بقوات من العاصمة لأحكام الطوق على الجيش الجزائري في مدينة قسنطينة. خلال الحملة الثانية كادت الجيوش الفرنسية أن تخسر المعركة بعد مقتل أحد قادتها و لكن قوة المدفعية مكنت من فتح ثغرة في أسوار المدينة تم التسلل من خلالها و بذلك سقطت قسنطينة بعد تضحيات جسام من طرف سكانها. قسم أحمد باي جيشه إلى قسمين أساسيين الأول يتكون من 2000 مقاتل معززين بالمدافع الميدانية للدفاع عن المدينة تحت قيادة "قائد الدار بن عيسى"، والقسم الثاني بقيادته الشخصية خرج لمقارعة العـدو بـين عـنابـة وقسنطينة، وبفعل ذلك تمكن الجيش الجزائري من فصل مؤخرة الجيش الفرنسي عن بقية الجـيـش الـذي كان يتحرك نحو قالمة لجعلها كقاعدة لتنظيم الهجوم على قسنطينة. وما إن بدأت المعركة أمام أسوار قسنطينة حتى صار الجيش الفرنسي في وضعية جد سيئة وازداد الوضع سوءا بخروج قوات بن عيسى من المدينة الأمر الذي وضع القوات الفرنسية بين فكي كماشة الفك الأول تشكله قوات أحمد باي والفك الثاني تشكله قوات المهاجمين مع ابن عيسى ومدفعية المدينة الأمر الذي أدى إلى فشل هذه الحملة. على إثر ذلك شرع الفرنسيون في الإعداد لحملة عسكرية ثانية. وبالفعل تمت هذه الحملة في شهر سبتمبر 1837م بمشاركة أكثر من ست جنرالات، لعبت فيها المدفعية دورا هاما، إذ أدرك الفرنسيون أن الدخول إلى المدينة لن يتحقق عن طريق إستسلامها وذلك بإحداث ثغرات في أسوارها والتسلل منها إلى الداخل، وبذلك سقطت مدينة قسنطينة بيد أن مقاومة أحمد باي لم تنته بسقوط المدينة بل تواصلت إلى غاية سنة 1848م بعد أن توجه إلى منطقة الأوراس، حيث ألقي عليه القبض واقـتيد إلى مدينة قسنطينة وسجن في قصره، ونقل بعد ذلك إلى العاصمة حيث توفي أسيرا في أوت 1850م
المقاومة السياسية لحمدان بن عثمان خوجة
ينتمي حمدان خوجة إلى عائلة جزائرية عريقة كانت في العاصمة، حيث كان والده عثمان فقيها وإداريا، يشغل منصب الأمين العام للإيالة، يشرف على حسابات الميزانية وعلى السجلات التي تشمل أسماء ورتب ورواتب الإنكشارية. أما خاله الحاج محمد فكان أمينا للسكة قبل الاحتلال الفرنسي.
ولد حمدان سنة 1773، حفظ القرآن و تعلم بعض العلوم الدينية على يد والده ، ثم دخل المرحلة الابتدائية التي نجح فيها بتفوق فأرسله والده مكافأة له مع خاله في رحلة إلى اسطنبول سنة 1784م، وكان خاله في مهمة حمل الهدايا إلى السلطان العثماني، فكان لهذه الرحلة دور كبير في نفسية الطفل الذي لم يتجاوز الحادية عشرة، حيث فتحت له أبوابا للتطلع لكل ما هو أسمى.
بعد عودته من إسطنبول انتقل إلى المرحلة العليا حيث تلقى فيها علم الأصول والفلسفة وعلوم عصره، ومنها الطب الذي كتب في بعض جوانبه كالحديث عن العدوى ومسبباتها في كتابه ”إتحاف المنصفين والأدباء في الاحتراس من الوباء”.
بعد وفاة والده شغل مكانه كمدرس للعلوم الدينية لمدة قصيرة ثم مارس التجارة مع خاله و نجح فيها ، فأصبح من أغنياء الجزائر ، وهو ما فتح له المجال للقيام بعدة رحلات إلى أوربا، وبلاد المشرق والقسطنطينية، ومنها استطاع تعلم عدة لغات كالفرنسية والإنجليزية مما ساعده على التفتح و توسيع معالمه والتعرف على العادات و التقاليد، والأنظمة السياسية السائدة في تلك البلدان . وأثناء الحملة العسكرية الفرنسية على الجزائر ساهم كغيره من الجزائريين في الدفاع عن بلاده ولكن بطريقته الخاصة.
بعد الاحتلال الفرنسي اشتغل كعضو في بلدية الجزائر، وفيها حاول الحفاظ على ما تبقى للجزائريين من ممتلكات ، حيث رفض تسليم عدة مساجد للفرنسيين الذين أرادوا تدميرها بحجة إقامة مؤسسات وطرق عمومية بدلها، كما شارك في لجنة التعويضات الفرنسية لتعويض الأشخاص الذين هدمت ممتلكاتهم لفائدة المصلحة العامة كما يقول الاستعمار الفرنسي، وفيها بذل حمدان جهودا لخدمة إخوانه الجزائريين، ولكن الاستعمار الفرنسي تفطن لنواياه ونوايا الأعضاء الجزائريين المشاركين في هذه اللجنة فحلها، وأغلق باب التعويضات.
بعد ذلك شارك خوجة كوسيط بين أحمد باي والفرنسيين، وأرسل إلى الجنرال سولت مذكرة يصف فيها التجاوزات التي قام بها الفرنسيون في الجزائر، فكان من نتائج هذه المذكرة إنشاء اللجنة الإفريقية في 07 جويلية 1833للبحث عن حقيقة الأوضاع في الجزائر.
و في باريس راسل السلطان العثماني وناشده أن يتدخل لإنقاذ الشعب الجزائري قائلا: “إن المسلمين الذين استشهدوا ودفنوا في هذه التربة سوف يسألونكم يوم الحساب لماذا تخليتم عنهم”.
وظل حمدان خوجة يناضل بشكل قوي ليبين عيوب الاستعمار، ولما رأى أن جنرالات فرنسا مصرون على المضي في مشروعهم الاستعماري رحل إلى فرنسا في 1833، وواصل هناك جهوده للدفاع عن الجزائر من خلال الاتصال بالشخصيات الفرنسية التي ظن أنها يمكن أن تدعم قضيته، لكنه في النهاية رأى أن ذلك غير مجد فغادر باريس نحو القسطنطينية في 1836 وتوفي هناك ما بين 1840-1845.
آثاره
لحمدان بن عثمان خوجة آثار علمية كثيرة وقيمة تعتبر من المصادر الأساسية، لدراسة الفترة الأخيرة من العهد العثماني في الجزائر والفترة الأولى من الاحتلال الفرنسي، كما تعطينا صورة واضحة عن مستوى الفكر في العالم الإسلامي ومعظم آثاره عبارة عن مؤلفات وترجمة ومذكرة ورسائل. ومن أهم مؤلفاته:كتاب المرآة كتبه مؤلفه بالعربية، ثم ترجمه إلى الفرنسية، ليصدر في باريس في أكتوبر 1833، تحت عنوان ”لمحة تاريخية وإحصائية حول إيالة الجزائر”، وبعد ذلك قام علي رضا باشا بن حمدان خوجة بترجمته إلى التركية بعنوان ”مرآة الجزائر”.
يقول حمدان خوجة:
" .... وبهذه المناسبة أذكر الحادثة التالية: لقد اضطر المدعو "محمد بن سفطة" إلى المجيء إلى البليدة ليعيش فيها، وكانت مهنته كإسكافي لا تكفي لتوفير وسائل عيشه، وعيش امرأته وبناته الصغيرات الأربع، وكان يسكن دارا صغيرة دخل إليها أثناء الهجوم وأغلق الباب، إنه لم يكن يملك أي نوع من السلاح، ولم يكن معه سوى الأدوات التي يشتغل بها، وعندما دق الباب خرج إليهم صحبة زوجته، ولكن سرعان ما وجهت إليه طلقات عديدة أردته قتيلا، كما قُتلت طفلة لها من العمر عامان، أما زوجته فقد كسروا ذراعها، ونهبت الدار كلها، ولما بقيت الزوجة المسكينة بدون مورد بعد أن كُسرت ذراعها وأصبح عليها أن تعول ثلاث بنات، توجهت إلى القائد الأعلى، ولكن شفقته لم تزد على أنه أركبها بغلة دون أن يضمد جراحها الذي ظل يدمي طيلة الطريق.
ويتابع حمدان خوجة ويقول: " إن هذه المرأة قد أصبحت تتسول بعد هذا الحادث، وغيرها من السكان كثيرون، ولقد كنا في ما مضى، نستطيع إعانتهم لأننا كنا نملك مؤسسات خيرية، أما الآن فإن تلك المؤسسات كلها أصبحت في أيدي السلطات الفرنسية التي توزع من حين لآخر بعض الصدقات … فيعطى لكل فقير في كل أسبوع (سوردي) أو اثنين في بعض الأحيان".
موقف حمدان خوجة من يهود الجزائر
حمدان خوجة من بين المثقفين الجزائريين الذين عاشوا هذه المرحلة، وهو شاهد عيان على ما وقع خلالها خاصة فيما يتعلق بانحطاط الحكم العثماني، ثم سقوط الجزائر في يد الاستعمار الفرنسي. وقد اعتبر صاحب كتاب المرآة أن دخول بعض اليهود إلى الجيش الإنكشاري كمجندين كان من بين أسباب انحطاط الحكم العثماني في الجزائر، حيث فُتح الباب “أمام المجندين من أزمير، فلم يعد يجند الرجال النزهاء الذين لهم جاه ومكانة، وإنما فتح الباب لأي كان حتى لأناس كانوا قد أدبوا وأدينوا، وكان يوجد من بين المجندين يهود ويونانيون ختنوا أنفسهم” ثم علق على ذلك قائلا: “وكما أن حبة فاسدة تكفي لإفساد كوم كامل من القمح، فإن رجلا فاسد الأخلاق يكفي لجلب الشر على جميع الذين يخالطهم ويحيطون به”
الأحد، 20 أكتوبر 2013
حرب الرمال.. هكذا رد الجزائريون على غزو المغرب
حرب الرمال.. هكذا رد الجزائريون على غزو المغرب
لم يحدث وأن قال الراحل أحمد بن بلة كلمة "حڤرونا" إلا مرة واحدة عام 1963، عندما كان رفقة الرعيل الأول للمجاهدين في استراحة محارب يبحثون عن سُبل بناء وطن مثخن بالجراح، كانوا معوّلين على أبناء الجزائر وأيضا على الأصدقاء والجيران، ولا أحد تصور أن فتنة الخلافات الداخلية التي اندلعت في الجزائر بين مدّ بن بلة وجزر أيت أحمد، سيتم استغلالها من أقرب الناس بعد سنة واحدة من الحرية، خاصة أن الجزائر كانت تضمّد جراحات أكثر من قرن من الاحتلال، ولأن التاريخ يعيد نفسه، فإن الكثيرين تذكروا ما حدث منذ نصف قرن بعد الحملة الإعلامية وحتى السياسية المغربية، التي أعلنها المخزن منذ بضعة أيام في الذكرى الخمسين للإستقلال، زاعمين فتنة أخرى مشابهة لما حدث في فجر الاستقلال، وما دام التاريخ قد أعاد نفسه فإن "الشروق اليومي"، عادت إلى الحادثة الأولى التي اندلعت عام 1963 مع صانعيها من الذين مازالوا على قيد الحياة، ولم تكتف بمنطقة واحدة، وإنما أبحرت شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، ونقلت شهادات من رجال قال بعضهم إن ما حدث في الأيام الأخيرة يكاد يكون صورة طبق الأصل لما حدث منذ نصف قرن، ولأن نتيجة "الحڤرة" في العرف الجزائري هي "الأزمة التي تلد الهمّة"، فإن هذه الشهادات المسلسلة التي تقدمها الشروق اليومي على لسان من عاشوا الحدث، وتنقلوا آلاف الكيلومترات هي ذرة من حرب الرمال.
لمجاهد فلاّح محمد يروي للشروق تفاصيل مشاركته في "حرب الرمال"
هذا ما فعلته عصابات"الزوكيت" من أجل الاستحواذ على الأراضي الجزائرية
يعود بنا المجاهد فلاح محمد في اللقاء الذي جمعنا به حول "حرب الرمال" والهجوم المغربي غير المبرر سنة 1963 على الأراضي الجزائرية نتيجة الأطماع التوسعية التي قادها القادة المغاربة ضد الوحدة الترابية الجزائرية إلى الحقبة التاريخية الممتدة من 1958 وإلى غاية 1962 وتحديدا بعد أيام فقط من تاريخ وقف إطلاق النار.
التحضير للعدوان بدأ قبل الاستقلال
وتحدث المجاهد فلاح عن الدور الذي لعبه علال الفاسي في محاولات بائسة وفاشلة واستفزازية من أجل تجسيد أطماعه التوسعية على حساب الوحدة الوطنية الجزائرية، مشكلا ما يشبه المليشيات كانت مكلفة بالقيام بأعمال شبيهة بتلك التي تقوم بها عصابات قطاع الطرق. فمن مهامها اعتقال الجنود الجزائريين وسلب المؤونة، متخذة من الحدود الجزائرية المغربية الممتدة من عين الصفراء مرورا بالبيض وبشار وتندوف معاقلا لها، بالإضافة إلى حملات تحسيسية تحريضية لتعبئة سكان المناطق الحدودية الجزائرية وإقناعهم بأنهم مغاربة وليسوا جزائريين معتمدين في ذلك على مناشير تحريضية، يتم توزيعها على السكان تتضمن الأطماع المغربية الممتدة من بشار إلى تندوف وصولا إلى كروشة بالأبيض سيدي الشيخ.
الحركى وجماعة "سنهوري" تخابروا مع الحسن الثاني وعلال الفاسي
هذه العصابات المسلحة التي كانت تسمى كما كشف عن ذلك المجاهد فلاح بـ "زوكيت" وهم عبارة عن أشخاص يتم تجنيدهم بشكل فوضوي من مختلف الجهات المتاخمة للحدود الجزائرية المغربية يرتدون زيا مدنيا مهمتهم تكمن في "استفزاز" المجاهدين من خلال القيام بعمليات تحريضية داخل الأراضي الجزائرية وقد ساهم حسب ما كشفته شهادة المجاهد فلاح محمد الذي التحق بصفوف الثورة الجزائرية سنة 1957، قبل أن يتم تكليفه برفقة عدد من المجاهدين بحراسة الحدود على مستوى منطقة عين الصفراء وبعدها تندوف في متاعب كثيرة لجيش جبهة التحرير الوطني، خاصة بهذه المناطق، إذ كانت من نتائج تلك الاستفزازات تشتيت جهد المجاهدين، الذي لم يكن منصبا فقط على محاربة الجيوش الفرنسية الاستعمارية، بل أكثر من ذلك حماية الحدود من الأطماع المغربية التي قادها علال الفاسي بتواطؤ مع الحسن الثاني ودون علم الملك محمد الخامس من خلال توظيف عصابات "الزوكيت" واستغلال الدعم اللوجستيكي الذي كان يوفره الخونة من الحركي، كما هو الحال مع "سنهوري" وجماعته، الذي كان يتخذ من منطقة تندوف مكانا لوجستيكيا لإيصال الرسائل للحسن الثاني وعلال الفاسي خلال تلك الفترة الممتدة من 1958 إلى غاية 1962 قبل أن يتم قصف معاقله من قبل الفيلق الثاني الذي أخذ مكان الفيلق الأول والذي كان من ضمنه العديد من الأفواج من بينهم الفوج الثاني بقيادة المجاهد فلاح محمد.
مقاتلو الفوج الثاني تنقلوا إلى تندوف بملابس مدنية

التآمر المخزني مكن الاستعمار من استكمال خط موريس
إذ يكشف المجاهد محمد فلاح عن حادثة وقعت أثناء توجههم إلى تندوف، أين تم تكليف دليل يدلهم على الطريق، والذي كان مكلفا أيضا بنزع الألغام، غير أن هذا الأخير انحرف بالمجموعة التي اضطرت للبقاء في أحد الجبال مدة 3 أيام بدون أكل ولا شرب بعدما سلب منهم المؤونة وغادر المكان برفقة 13 شخصا انضموا فيما بعد إلى عصابات الزوكيت، وقد ساهم ذلك حسب شهادات المجاهد فلاح في متاعب كثيرة للثوار الجزائريين، وأن مثل تلك الممارسات استغلتها السلطة الفرنسية الاستعمارية لاستكمال مخططاتها التدميرية وعلى رأسها استكمال إنجاز خط موريس، حيث كان من الممكن حسب شهادات ذات المجاهد ثني الجيش الفرنسي على استكمال وضع خط موريس بالاعتماد على عمليات مضادة تنزع الألغام وتزيل الأسلاك الشائكة المكهربة لو أن المضايقات التي كان يقوم بها المغاربة لم تكن موجودة، غير أن الجنود الجزائريين اضطروا مكرهين لحماية الحدود من الأطماع المغربية التي لم تكن وليدة سنة 1963 وإنما تعود إلى العديد من السنوات رغم وجود وثائق ممهورة من قبل ملوك وسلاطين -يقول عمي فلاح - سلمت إلى منظمة الأمم المتحدة دون الحديث عن اتفاقيات ومعاهدات الترسيم والتي تؤكد على أن تندوف وبشار وكروشة بالأبيض سيدي الشيخ هي أراضي جزائرية، عكس الإدعاءات المغربية التي كان يروج لها علال الفاسي بمساعدة الحسن الثاني قبل أن تقع أحداث حرب الرمال بعد ذلك بسنوات، حيث يكشف المجاهد فلاح في هذا الشأن أن هذه الاستفزازات كانت متواصلة إلى غاية إرسال وفد جزائري إلى الملك محمد الخامس الذي لم يكن له علم بما يحدث، وأسفرت هذه المحادثات الثنائية عن تعيين الجنرال مزيان من قبل الملك محمد الخامس لتشكيل الجيش النظامي المغربي والقضاء نهائيا على هذه الميليشيات خاصة ميليشيات "زوكيت" التي كانت تحت سلطة علال الفاسي، وتنتهي بذلك مهمة المجاهد فلاح محمد برفقة باقي المجاهدين ووضع فيلق ثاني بتندوف مجهز بأسلحة متطورة، ليستقر بعد ذلك في بشار ثم بسيدي براهيم بسيدي بعباس قبل أن يتم استدعاؤه إلى زمورة في إطار تكوين إطارات الجيش الشعبي الوطني، وهي الفترة التي تم فيها استنفار القواعد الجزائرية وتجنيد جميع الجزائريين بعد الهجوم المغربي سنة 1963.